كثيراً ما كنت أنهمك في البحث عن إجابات لأسئلة من شاكلة (كيفية تفعيل دور االفنانين
في ترقية المجتمع والنهوض به بعيداً عن التعقيدات المحيطة؟ وهل يمكن للفنون أن
تساهم في تغيير تفكير الناس بشأن الحياة هنا بالسودان في ظل هذه الظروف المعيشية الضنكة،
والأوضاع السياسية المتأزمة؟ ومتى سيأتي الزمن الذي تقود فيه الفنون حياة الناس؟ ومتى
ستحين اللحظة التي ينعم فيها المجتمع السوداني بمخزونه الفني الضخم؟ تتولد الأسئلة في ذهني بمتوالية هندسية، ولكن بدون
طيف من الإجابات في الأفق، ولكن ما هذا ؟ إنها
ألوان ... إنها حياة.
ربما ليس أنا وحدي الذي تداهمه مثل تلك الأسئلة، ربما تحوم تلك الأسئلة
أيضاً في مخيلة مواطن سوداني لم يسلم من طاحونة الحياة اليومية الرتيبة، دوامة
البحث عن الأكل والشراب وحق فاتورة الموية والكهرباء، ولكنه لا يزال يحلم بحياة
أفضل، تدغدغه الألحان فيطرب بتوجس ملحوظ، ولكنه عندما يرى مثل تلك الجداريات تزين وجه المدينة حتماً سيبتهج بلا هوادة.
ربما تكون السطور أعلاه مدخل لنقاش طويل – فيما بعد - عن سلسلة الجداريات التي
إنتظمت الخرطوم هذه الأيام، ضمن ورشة (يلا نلون الخرطوم) التابعة لمشروع (يلا
خرطوم) أحد مشاريع معهد جوته الألماني في السودان، وبرعاية من بوهيات جوتن
الألمانية، إذ يهدف البرنامج - كما أفاد المنظمون - إلى تزيين جدران الخرطوم
بالألوان- في المرحلة الحالية - عبر جداريات من تنفيذ الفنانيين التشكيليين
المشاركين في ورشة ( يلا نلون الخرطوم).
ومن ضمن الجداريات التي يتم تنفيذها حالياً في هذا المشروع هي جدارية (رقصة
الطيور النوبية) للفنان التشكيلي والمصمم غسان البلولة، في مبنى شركة حصاد للإنتاج
الفني والأعلان، في وسط الخرطوم. بمشاركة عدد من الفنانين التشكيليين وهم ( معاذ
الحسن، عبدالهادي شقليني "ايدي"، عبدالمنعم
شقليني، ساري عوض وهناء عبدالله)، مع مشاركة
واسعة من أصدقاء غسان، منهم الاستاذة سحر صلاح مديرة الاعلام والمعلومات بمعهد
جوته والفنان فضل أيوب والعديد من
الاصدقاء الذين يترددون بين الحين والاخر.
يقول غسان عن هذه الجدارية : " هي إحتفالية بمناسبة عودة الألوان للمدينة
الشاحبة، وهذه الجدارية في الأساس هي جزء من مشروع يحمل نفس الإسم، سيرى النور في
الفترة المقبلة بصورته النهائية". وغسان
البلولة الذي تخريج من كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، وعمل بعد ذلك محاضراً بها
لفترة من الزمان، يقول عن سبب إختياره لموقع الجدارية: " شركة حصاد تقع في موقع مميز جداً في
وسط الخرطوم، ضاج بالحركة، لذا هذا الموقع يناسب تماماً فكرة مشروع ( يلا نلون
الخرطوم ) المتمثل في تنزيل الفنون لتصبح لغة الشارع، أن يتلمسها الجميع، هذا من
ناحية، من الناحية الأخرى إخترت هذا الموقع لأن شركة حصاد بالنسبة لي ليست مجرد
شركة إنتاج فني فقط، وإنما هي مؤسسة ثقافية ساهمت في تشكيل ذائقتي الموسيقية عبر شرائط
كاسيت غاية في الإتقان، مع أجادة بائنة في التوزيع الموسيقي المتفرد، يكفي إنها
أنتجت شريط (الحزن النبيل) للفنان مصطفى سيد أحمد وشريط (سكت الرباب) للفنان محمود
عبدالعزيز".
من جانبه يقول أحمد يوسف مدير شركة حصاد: " غسان البلولة شاب
مفعم بالإبداع، يمتلك أنامل رقيقة حيثما نقشت تكتمل اللوحة، لذا عندما إتصل بي
وابلغني برغبته في رسم جدارية في مبنى حصاد ضمن مشروع (يلا نلون الخرطوم) لم اتردد
لحظة في الموافقة، ليقيني بأن هنالك جمال
قادم للمكان، كنت متأكد مسبقاً من قدرة غسان البلولة على تحول الدار إلى تحفة فنية
قيّمة".
الفنون التشكيلية في السودان لديها تاريخ ناصع، لذا يمكن لمشروع " يلا خرطوم
" الذي يهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي بين الشباب الألماني والسوداني، يمكنه
أن يخلق حراك لوني ضخم وأختراق فني بائن، إذا ما إستمر بهذه الوتيرة، يمكن أن يكون
المشروع إمتدات لما تركته مبادرة (سودان يوناتد) في عام 2010 من أثر جمبل على جدران
الخرطوم، عندما خرجت الألوان حينها وأصبحت لغة الشارع. وبإعتبار
الفنون هي الأقرب للمجتمع، الفنانين هم الأجدر بالقيادة، حان الوقت الأن، يجب أن تتدخل
الفنون لإعادة ترميم ما تبقى من الوطن.
معاذ - غسان - احمد يوسف - عبدالمنعم |
الفنان معاذ حضور أصيل في كل تفاصيل الرقصة |
عبدالمنعم Eddy يراجع إيقاعات الرقصة |
الفنان فضل أيوب يشارك غسان رقصته |
الاستاذة سحر صلاح تترك بصمتها بالبرتقالي |
غسان ... قمة التركيز في إيقاعات الرقصة |
0 comments:
إرسال تعليق