قال فيتوريو ستورارو :» الضوء هو العالم ، والعالم هو الحب ، والحب هو المعرفة ، والمعرفة هي الحرية ، والحرية هي الضوء ، والضوء هو الطاقة ، والطاقة هي كل شيء» ، و إختزان اللقطات المفعمة بالمشاعر والأحاسيس في صور أقل ما يمكن أن نصفها به أنها تلمس الفؤاد وتحرك الفكر، ضيفتنا اليوم الصورة عندها هو عالم سحري جميل ، يتشابك فيه الضوء والظل واللون مشكلاً عالماً متناسقاً في غاية الجمال ، هي مصورة مبدعة بأعمالها وأفكارها ، عشقت أناملها مداعبة الكاميرا ، لتلتقط أجمل الصور وأروعها ، سجلها حافل بالمشاركات داخل وخارج السودان ، إنها إسراء الكوقلي ، شابة سودانية إمتلأت حياتها بحديث الكاميرا ، والتي تعتبرها قلمها ووسيلتها للتعبير عن ذاتها وأحاسيسها ، بل إنها ذهبت الى أبعد من ذلك وإعتبرت الكاميرا الوجه الآخر للصدق ، جلسنا معها ذات مساء فكان هذا الحوار ، الذي كشف عن جوانب مهمة في حياتها ، وطموحاتها ، والعلاقة بينها وبين الكاميرا.
حوار : عبدالسلام الحاج
{إسراء الكوقلي صورة عن قرب ؟
انا اسراء الطيب حسب الرسول الكوقلي ، مصورة محترفة ، وأعمل في مجال الاعلام مع منظمات التنمية ، بحب الرسم و الفن عموما .
{فلاش باك ، ماذا يعني إسم الكوقلي ؟
-الكوقلي هو اسم لبلدة عراقية بالقرب من الموصل ، جدي الكبير جاء منها الى السودان ، ومنها اشتهر باسم احمد الكوقلي .
{قريتي وين ؟
انا
قريت هنا في السودان وامتحنت شهادة لندن ، وذهبت الى مصر لدراسة صحافة
واعلام في الجامعة الامريكية بالقاهرة وحصلت منها على البكلاريوس ، ثم حصلت
على الماجستير في المسرح من جامعة ليدز ، وحاليا بدرس فنون جميلة في
الكلية الملكية بالسويد .
{ندخل الى عالم الضوء ، عمرك الفوتوغرافي كم ؟
-أهوى
التصوير منذ نعومة اظافري ، لكن بدايتي الحقيقة كانت في عام 2004 ، هذا
يعني ان عمري الفوتوغرافي 8 سنوات ( كنت محوشة لي حبة قروش كدة ) ، ومشيت
اشتريت بيها كاميرا ( مانويل A 1 ) ودستة افلام من استديو النيل ، وتوكلت
على الله .
في ناس كتار شايفين انو بت تشيل كاميرا وتصور فكرة غريبة في السودان ؟
-
أنا
ما شايفة الحاجة دي غريبة ، لكن في ناس كتار في السودان شايفين الحاجة دي
غريبة جدا ، لكن ابدا ما كان عندي احساس بالغرابة في هذا الموضوع ، ولا حتى
ناس البيت ، كانوا ينظرون الى مسألة التصوير من زاوية فنية بحتة .
ماذا أضاف التصوير لإسراء؟
-
من خلال التصوير تعرفت على بلدي بصورة اعمق ، سافرت الى كثير من المناطق
في الشمال والجنوب والشرق والغرب ، وكانت معرفتي بهذه المناطق وعادات اهلها
وتقاليدهم من خلال ما يبث على التلفزيون فقط ، لكنني عندما ذهبت بنفسي
وجدت ان السودان اجمل بكثير مما تخيلته ، ومن خلال التصوير تعرفت على
العديد من الاشخاص الجميلين ، وانا ما من النوع البيصور الناس من بعيد ، اي
زول كنت دايره اخذ ليهو صورة كنت بقعد معاهو وأتونس واتعرف عليهو ، وبعد
داك استأذن منو في اخذ الصورة ، مثلا انا كنت في احدى القرى بصور في بعض
المزارعين ، قالوا لي ( اصبري شوية لحدي ما نستحمى ونغير ملابسنا عشان
الصورة تكون جميلة ) وفعلا لبيت طلبهم ، لانني يهمني معاينة الرضا في عيون
الاشخاص الذين اصورهم .
{النقطة دي بتودينا لي مسألة اللقطات المسروقة ؟
-
أنا اللقطات المسروقة دي ما بنصح بيها ابدا ، لانك عندما تصور شخصاً تكون
قد اخذت جزء من حياته معك في الصورة ، وبعدين بتحفظوا للأجيال ، لذلك لابد
ان تكون الصورة فيها استئذان ، ليس كل الناس ترضى ان تتصور في كل الاحوال .
{هل اخذتي دورات تدريبية في مجال التصوير ؟
-انا
اساسا اخذت كورسات في التصوير، وكان ذلك ضمن المقرر الدراسي في الجامعة ،
ولكنني ايضا اخذت بعض الدورات التدريبية في فن التصوير بمصر ، اما في
السودان فأغلب الدورات التدريبية التي تقام ( على قلتها ) تكون عن اساسيات
فن التصوير ، اذ لا توجد دورات متقدمة في فن التصوير .
{حدثينا عن تجربة كسلا ؟
-تجربتي
في كسلا كانت مختلفة نوعا ما ، ما زي تجربتي في الجنوب او الغرب ، انا
مشيت كسلا مع احدى منظمات التنمية ، كان لديهم مشروع هناك ويريدون توثيقه
بالصور ، وهناك زرنا بعض معسكرات النازحين الذين تعلموا بعض المهن البسيطة
ليكسبوا منها رزقهم بعد ذلك ، وناس كسلا كانوا مندهشين من منظري وانا شايلة
الكاميرا وبصور فيهم ، وانا كنت مندهشة من شموخ جبال التاكا وتوتيل ، لكن
عموما كانت لحظات جميلة في حياتي ، اعجبتني كسلا جدا ، وناسها يدهشوك
بالكرم الاصيل ، واسلوب حياتهم بسيط وجميل ، لذلك احببتهم .
{هل تستخدم اسراء الفلاتر والفوتوشوب ؟
-
نهائي ما بحب الفلاتر ولا الفوتوشوب في الصور ، واذا كان عندي صورة ودايرة
اعمل ليها اي اضافات او تأثيرات ، بستخدم الالوان ( زيت - موية - اكليرك -
اقلام الشين ) ، وأول مرة استخدم فيها تأثيرات اضافية على الصورة كانت في
عام 2007 ، كان عندي مجموعة كبيرة من الصور بالابيض واسود ، وقمت بعمل
زخرفات عليها وبعض الكتابات باستخدام الالوان .
{اسراء وصعوبات على المشوار ؟
-أول
هذه الصعوبات هي امتلاك كاميرا حديثة بمواصفات جيدة وجودة عالية وعدسات
ممتازة ، كذلك واجهتني مشكلة الصيانة ، مع التراب واجواء السودان المتقلبة
كثيرا ما تتعطل الكاميرات لانها اجهزة حساسة ، ومراكز الصيانة نادرة جدا ،
كما واجهتني مشكلة ( ممنوع الاقتراب والتصوير ) في مناطق معينة .
{موقف طريف مر بك كمصورة ؟
-في مشواري مع التصوير مررت بالعديد من المواقف الطريفة ، منها قبل فترة كنت اشتغلت مادة فلمية للحرفيين ، تحكي عن
ابداعهم
، ( في احدى المرات كنت واقفة وبصور جاني واحد من الحرفيين وقال لي : هسي
الكاميرا دي لزومها شنو ، والناس يقولو عننا شنو ، الشارع وسخان وانتي
بتصوري دايرة الناس يقولوا انحنا وسخانين ؟؟ )
{ما هو اول شئ تبحث عنه اسراء عندما تمسك كاميراتها في يدها ؟
-المبدأ الاساسي عندي هو البحث عن الاشياء البسيطة والجميلة في الحياة دائما ، وايضا التفاصيل الدقيقة تجذبني .
{ألوان تجذب عدسة اسراء ؟
-أولا
كانت بدايتي مع التصوير بالابيض والاسود ، انا بعتقد ان الصورة لازم تكون
عندها دلالة قوية ، والابيض والاسود خير من يمثل هذه النقطة ، لذلك عندما
انتقلت الى الصورة الملونة واجهت العديد من المتاعب ، في الاول الالوان
كانت بتعمل لي تشويش ، لأني زمان عندما كنت اصور بالابيض والاسود كنت ارى
فقط ( اضاءة وظل ) ، اما في التصوير الملون تدخل تفاصيل اكثر للصورة ، لكن
بعد ذلك ارتحت للالوان ، حتى في لحظات كدة بكون مندهشة من الالوان الموجودة
في الطبيعة ، لكنني عموما لا اميل الى ألوان معينة دون الاخرى ، ولا ابحث
عنها ، كل ما في الامر انه عندما يصادفني الجمال متمثل في عدة الوان معينة
بصورها .
{الشعراء عندهم حاجة اسمها شيطان الشعر فهل المصورون عندهم حاجة مماثلة؟
{أيوة
، مرات كدة تكون ماشي او قاعد وتظهر ليك لقطة تكون هبة من رب العالمين ،
وفي صورة الواحد يستناها عديييل كده ، مثلا انا كنت شغالة في مشروع توثيقي
عن جزيرة توتي ، وكان نفسي اخذ لقطة من تحت الكبري مع الغروب والناس تكون
يادوب دايرة تصلي صلاة المغرب ، وتكون في حبة اضاءة في الافق وفي نفس الوقت
الناس بدت تضئ الانوار ( ضوء الغروب مع الضوء الاصطناعي ) ، المهم انا
قعدت تحت الكبري واستنيت اللحظة دي والحمد لله صورتها وارتحت .
{حدثينا عن فلم (البحث عن الهيب هوب) ؟
-اثناء
مشاركتي في دورة الفلم الوثائقي بمعهد جوتة ، كنت ضمن مجموعة المصورين ،
وكانت لدي فكرة عن الاخراج ، واغتنمت فرصة توفر الكاميرات ، واستأذنت من
منسق الدورة بانني اريد ان اصور فلم باستخدام هذه الكاميرات ، وبالفعل تم
السماح لي بذلك ، وقمت بتصوير فلم ( البحث عن الهيب هوب) في عشرة ايام
وانتجته في اربعة ايام ومدة الفلم حوالي 11 دقيقة ، وعن مغزي الفلم ، اولا
فترة التصوير صادفت ايام الانتخابات ، وهي اول انتخابات منذ اعوام بعيدة،
هذا يعني ان الجيل الذي اصور فيه لم يحضر فترة الديموقراطية ، ولكنهم
يكتبون الشعر ويلحنون ويغنون هذه الاشعار على طريقة الهيب هوب ، ويتحدثون
عن حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الفكر وعن الديموقراطية ، ودي حاجات
جميلة جدا ، وتبين ان اجيال السودانيين بيتعلموا من آبائهم ، وهذا نوع من
النجاح المجتمعي يحسب لنا كسودانيين ، ومعظم هؤلاء الشباب غير معروفين في
وسائل الاعلام الرسمية ، لكن بيعبروا عن انفسهم بوسيلة الهيب هوب ، والفلم
يتحدث عن هؤلاء الشباب المكافحين .
{حدثينا عن زيارتك لجوبا ؟
-عجبني
الجنوب عموما ، وخاصة جوبا ، ونحن خسرنا بالانفصال طبيعة جميلة وثقافات
متعددة وايقاعات متميزة ، نحن لم نكتشف خبايا الجنوب بعد ، وانا حاسة اني
فاقدة جزء من نفسي ، والخريطة الجديدة الممزقة والمشوهة دي انا ما بقدر
انتمي ليها لانها ناقصة ، انا من السودان القديم ، السودان الكبير، الوطن
الموحد .
{حدثينا عن معارضك ؟
-أقمت
اكثر من 12 معرض داخل وخارج السودان ، أول معرض لي كان في عام 2004 في
فندق الريجنسي ( المريديان سابقا ) ، ثم بعد ذلك اقمت معرض في مارس 2007 في
صالة مركز توقيزر للفنون ، ومن هنا احب ان اشكر الفنانة التشكيلية وصال
ضياء الدين على الاحتواء والترحاب الجميل الذي قابلتني به واستضافة مركزها
لمعرضي الذي كان بعنوان ( الشجيرة ) ، لان مشروعي كان في طور النمو
والبدايات ، كالشجيرة الخضراء الصغيرة تماما ، كما اشكر الاستاذ منعم حمزة
على وقوفه بجانبي في اعداد هذا المعرض ومساعدته لي ودعمه اللامحدود ، واحب
ان احييّ استاذي ( peter hill johes) الذي علمني مبادئ التصوير ، وعندما
اقمت معرض ( زينة ) وهو معرض استمر لمدة أسبوع في واترلو في لندن في ابريل
2008 ارسلت له الدعوة للحضور ، فتكبد مشاق مسافة ثلاث ساعات حتى يحضر
المعرض فأنا اشكره جدا على ذلك ، كذلك انتقلت مجموعة ( زينة ) وعرضت لمدة
أسبوعين في متحف بيتري للآثار المصرية ، وكذلك عرضت في كلية لندن الجامعية
(UCL) في مايو 2008 ، كما عرضت لمدة يوم واحد في معرض بروناي في مدرسة
الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن في مايو 2008 ، .كذلك اقمت معرض تحت
عنوان ( الامل والاستمرارية ) في مارس 2010 في مركز دكتور راشد دياب ،
وبمجرد ان اكون بالقرب من لوحات دكتور راشد دياب هذا شرف كبير بالنسبة لي ،
احب ان اشكره من هذا المنبر .
{آمال تسكن إسراء الكوقلي وتتمنى تحقيقها ؟
-أولا
اتمنى ان استمر في التصوير ، حتى اتعرف على بلدي اكثر ، واتعرف على احوال
اهلى السودانيين ، واتمنى ان اجمع صورى في كتيب يحوى كل اعمالي
الفوتوغرافية ، واتمنى ان اساهم في ابراز وجه السودان السياحي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر هذا الحوار في صحيفة الصحافة التاريخ: 2-مارس-2012 العدد:6683 ملف ونسة
0 comments:
إرسال تعليق