كان لمدينة هامبورغ الالمانية وحلة خوجلي السودانية أثر كبير في تنشئة المصور الفوتوغرافي والسينمائي طلال عفيفي، مع إختلاف الجغرافيا فقد ولد في هامبورغ في ظروف صعبة ، وكان لأطباءها سهم كبير في بقائه علي قيد الحياة، وكانت حلة خوجلي محطته الاولى في السودان ، حيث بيت جده الكريم حسن شرف ، وفيها تلمس أولى ملامح الشغف بالحياة .حاوره : عبدالسلام الحاج
حكايتك مع التصوير ؟
من
زمان وانا مأثور بالحكايات ، وتلى ذلك شغف بالمشاهدة ، فتحول بدوره الى
محبة للفنون البصرية بشكل عام ، وكنت قد تعرفت على الاستاذ حسين شريف الذي
خلق لدي انتباها بأهمية المشهد والتكوين ، بعد وفاته وجدت نفسي بشكل لا
ارادي اتحرك بالكاميرا ، وهو أمر صادف في نفسي حبي للتوثيق والرصد ، وحين
أتحدث عن التصوير أتحدث عن الصورة بأعتبارها أنيسي وأحد مراجعي الوجدانية
المهمة .
طعم البيوت ؟
طعم
البيوت لاذع ، صرت اهرب منه ، سكنت في حياتي الماضية في اكثر من عشرين
بيتا موزعة على العالم ، لكل بيت فيها منزل في القلب ، وفي ذكرى فراقه
لوعة ، الامر الذي جعلني لا أرتاح في مكان بسهولة .
طلال عفيفي في صباه |
لك علاقة حميمة مع التجوال ، تجوال بين البلاد والمدن والأفكار وبين قلوب البنات ؟
التجوال
كان قدرا وجدتني في طريقه ، لكن هذا القدر تحول الى شغف ، وصار يلفني
احساس غامض بعدم الامان ، فأنا ولدت في بلد وأبي من بلد وأمي من بلد ولي
انتماءات أخرى متنوعة سياسيا وفكريا وروحيا ، لا تستطيع المقاربة بينها
الا في صيغة المتجول العابر ، ربما هو نوع من القلق ، أو الرغبة العميقة
في الاكتشاف والتجريب ، لكن حتى في جيناتي فأنا ابن سلالة متجولة أتحفت
العالم بالنزوح من شمال البحر الى جنوب الصحراء ، أما حكاية التجوال في
قلوب البنات فهو فشل عاطفي لا أكثر ولا أقل .
وباريس ؟
زرتها مرة واحدة ، لكني مكثت فيها بعمق ، لكن من وجهة نظري ان في فرنسا بشكل خاص و اوروبا عموما مناطق أحق بالانتباه .
طلال وليزا شاكر في لندن ؟
ليزا شاكر فنانة موهوبة ، سافرنا الى لندن ضمن برنامج ضم أميز الموسيقيين
والفنانين البصريين في افريقيا ، هذا ما قالوه لنا ، أعتقد أن لليزا
مقومات عديدة تمكنها من لعب دور مهم في الموسيقى السودانية ، فهي عازفة
بارعة ومستمعة جيدة وتستند على خلفية فنية أهلها لها وضعها الاسري
واجتهادها الخاص ، ولندن حين يرد اسمها اتذكر أصدقائي المنفيين .
طلال على ضفاف الاسكندرية ؟
الاسكندرية
حكاية طويلة ، لا تذكر في كلام عابر ، هي مدينتي الاثيرة ، وهي المكان
الذي أحس بالانتماء الروحي الشديد له ، سافرت اليها يافعا لتحصيل علوم
خائبة ، لكني تعرفت فيها على نفسي ومزاجي ، وكونت فيها صداقات تمتد جذورها
في عمري ، وأذكر انني كتبت في احدى المرات ( المنفي هو ان تعيش خارج
الاسكندرية ) .
كيف تحصلت على كاميرتك الأولى ؟
لقد بعت عربتي السوزوكي لأشتري بها أول كاميرا لي ، وأول تغطية قمت بها
كانت في عام 2005 في أمسية خروج الاستاذ محمد ابراهيم نقد بالديم ، حيث
كنت مغرما بتسجيل اللحظات التي كنت أحس أنها بارقة أمل ، ولكنني لم اتطور
في فن التصوير من الناحية التقنية ، اذ فاتني زملاء بدأوا بعدي وصاروا
مصورين كبار مثل ضياء الدين خليل وناجي الملك .
عشق طلال لعصابة الحرامية ؟
عصابة
الحرامية دي كانت عصابة رمزية في لعبة ( بوليس حرامي ) الشهيرة في حصص
الفطور ، كنت دائما اختار ان اكون مع عصابة الحرامية ، يمكن لسيادة الطبع
الردئ او لأن لدي احساسا قديما بالخروج وعدم الانتماء للخط العام . هذا
الاحساس يمكن ان يكون عقدة ويمكن أن يكون ميزة اذا تعاطفت معي ، لكنه نفس
الاحساس الذي جعلني انتمي للحزب الشيوعي والكتابة والتوثيق ، الاحساس
الداخلي بالمقاومة والانفلات واهانة السلطة .
معهد جوته ؟
معهد جوته هو أحد المراكز الثقافية الاجنبية المهمة بالسودان ، قام بجمع
شمل المثقفين السودانيين لفترة طويلة ، كانت فيها مساحة حرية أكبر ومناخ
الطف ، وأنا احد المستفيدين من هذا المناخ ، وعلاقتي بالمعهد قديمة جدا ،
منذ ان كان عمري ثماني سنوات تقريبا ، فأمي كانت تدرس به ، ثم ارتدته
كدارس ، وبعدها بسنوات رجعت اليه باعتباره مكانا تلتقي فيه مراكب الاصدقاء
والمحبين والعاطلين عن العمل الذين كنت احدهم في يوم ما ، بعدها تطورت
العلاقة عبر السنوات وعملت بالمعهد حتي اصبحت فيه اليوم مسؤولا عن وحدة
الافلام المعروفة بـ ( ?ودان فيلم فاكتوري )
ماذا يعني لك مرور مائة عام على اول عرض سينمائي سوداني ؟
والله
ان القلب ليحزن ، عادة لا تعني لي المناسبات شيئا ، لكن مرور مئة عام على
اول عرض سينمائي في السودان يثير في قلبي الشجون والرغبة في دفع الحركة
السينمائية السودانية ، أعمل الان بكل جهدي لايجاد المنح الدراسية للشباب
السودانيين لدراسة صناعة السينما ، كما أحاول بما تيسر من جهد أن أساهم في
تيسير الفرص للتدريب على مجالات السينما المختلفة ، بدءا من مهارة
المشاهدة وانتهاءً بحرفة الصنعة . في هذه الذكرى المئوية يجب الاشارة الى
الدور المخضرم الذي تقوم به جماعة الفلم السوداني ، من مقرها بحي
الملازمين ، فأساتذتنا ه?اك يقومون بما يشبه المعجزة من خلال دأبهم في
الحفاظ على جمهور نوعي ، والاهتمام بمحبي السينما ، كما انهم في هذه الايام
يخوضون حملة شديدة الاخلاص من خلال وسائل الاعلام المختلفة للتذكير بهذه
النائحة الثكلى ( السينما السودانية ) .
كيف تصل السينما السودانية إلى العالمية ؟
العالمية
مصطلح خادع ، فهي مرتبطة فقط بعلاقات السوق والانتاج ، لذا دعنا نتحدث عن
السينما السودانية ، سيستطيع السودان انتاج سينما ممتازة حينما يتوفر رأس
المال والاهتمام الاكاديمي والتدريب وحرية التعبير ، لاشيء ينقصنا سوى
ذلك .
دورة الفلم الوثائقي ؟
دورة
الفلم الوثائقي هي دورة تشرفت بتخطيطها والاعداد لها ، وقد قام معهد جوته
مشكورا برعايتها والانفاق عليها بشكل سخي . الفكرة بدأت بتدريب شابات
وشباب قادرين على انتاج افلام في ظروف عصيبة من حيث الامكانيات والمناخ
العام والخلفية ، وقد نجحنا في تدريب أكثر من عشرين شابا وشابة في ذلك ،
تم تدريبهم بكثافة وضراوة بواسطة السينمائي والمدرب العراقي قاسم عبد ،
حيث تدربوا على وسائل صناعة الفلم المختلفة وذلك خلال سته اشهر فقط ،
فكانت النتيجة افلام فيها ملامح من الحياة السودانية بأوجهها المختلفة ،
غير الانتاج فأنا ازعم?بأن هذه الدورة قد غيرت من طريقة واسلوب اكثر من
تجربة حياة وتفكير هؤلاء الشباب ، حيث اصبحوا اكثر انطلاقا على المستوى
الانساني ، كما أن الافلام شاركت بأسم السودان في مهرجانات بالقاهرة وقطر
ونيجيريا والبرازيل .
مركز الخرطوم للقراءة والاطلاع ؟
مركز
الخرطوم للمشاهدة والاطلاع هو أحد المشاهد العظيمة في الملمح الثقافي
السوداني ، اذ انه جمعية اهلية بالمعني الحقيقي ، يديرها انسان شديد الحنو
على الثقافة والشباب ، وهو معروف ( بالعم سيف ) وأسمه بالكامل سيف سمعريت
، حيث يقوم بإدارة المركز بشكل يومي تبدأ من أعارة الكتب وتنتهي بعروض
أسبوعية للأفلام الجيدة ، مرورا بندوات ومعارض وسمنارات ، وعموما انه أحد
مراكز التنوير في الخرطوم بزاده القليل وتكاليف رواده .
التراب والياقوت ؟
هو
اخر أعمال الاستاذ حسين شريف السينمائية ، تم انجاز كافة مشاهده وتبقى
المونتاج الذي لم يكتمل لغياب حسين شريف عن الدنيا ، الفلم يحكي عن قصة
السودان الحديث المجروح بصيغة شديدة الشاعرية ، قمت فيه بدور أساسي من ضمن
عشم الاستاذ حسين فيني ، لعب هذا الفلم دورا مؤثرا في حياتي بعدها ، حيث
صار مفتاحا لعلاقتي بالسينما والاخراج .
المخرج السينمائي والفنان التشكيلي الراحل حسين شريف |
حكايتك مع الأبواب والشبابيك دي شنو ؟
الابواب والشبابيك ، جيتني اظنك ، هي المدخل والمخرج ، هي الشاهد الصامت ،
وهي الحنين ، نحن نكبر تحت الابواب ، نخرج منها وندخل عبرها طوال سنوات ،
وهي تراقبنا طوال الوقت ، نتغير ولا تتغير ، من الناحية البصرية فهي مادة
شديدة الخصوبة والثراء ، مليئة بالدلالات والحكاوي ، أنظر الى اي باب
مهجور في الخرطوم ، او أنظر الى ابواب النوبة القديمة من دنقلا وصولا الى
اسوان ، مرورا بحلفا وأدندان ودهميت وأبريم ، ستحس بالناس وبالزوار
الطارقين ، خروج العروس ، مرور الجنازة ، وقفة الام المنتظرة ، دخول
الاطفال ، الباب عندي مثل ا?ـ( دي ان ايه ) فيها البصمة الوراثية تماما .
كيف تعرف الكتابة ؟
بإمكاني
تعريف الكتابة في حالتي على انها نزوع للإسترجاع ومعايشة ما مضى ، أكتب
دائما عن الذي وقع وعما عشته ، لست جيدا في التأليف ، احيانا تكون الكتابة
عندي بديلا عن النوم او البكاء الانتحار ، اكتب حين افتقد الحياة .
انفصال الجنوب ؟
حسنا
، أصدقك القول انني كنت مجاهدا من خلال نشاطي السياسي والثقافي من اجل
وحدة السودان ، أحب السودان كما عرفته بهيئته وخريطته وتنوعه المبين ،
وتمنيت لو يظل على هيئته تلك ، ومن ثم يتطور بشكل انساني وثوري ، ولكن كل
هذا لم يحدث ، رغبتي في وحدة السودان ليست رغبة قومية كون ان السودان مليون
ميل مربع ، لكنها جزء من توقي لوحدة انسانية كبرى ، تبدأ من السودان ،
تمر بأفريقيا وتنتهي على حدود الكرة الارضية ، توق الى عالم قائم على
الانسانية وحسن الجوار ، ووحدة المذهب من حيث العدالة والاشتراكية وعدم
الاخلال بالبيئة ، لكن ?بدو ان قانون النظام السياسي اشد قوة وأكثر نفوذا ،
أشعر بشىء في روحي يتمزق حين أقرأ عن ترحيل الجنوبيين أو هجرتهم الى
الجنوب حيث الدولة الجديدة ، وأعفائهم من اعمالهم بالشمال ، من ناحية اخرى
اشعر بالتضامن والفرح لشعب اختار ورفع علم دولته الوليدة ، الامر شائك .
الوجع النوبي ؟
برغم
كوني من ابناء المدينة ، الا انني المس في نفسي وجعا مؤلما كمثل الوجعين (
غرق النوبة وموت حسين شريف ) تم اغراق شعب النوبة اكثر من اربع مرات في
اقل من سبعين سنة ، وهو ما لم يحدث للهنود الحمر او الغجر ولا اليهود ، لم
تتم اهانة شعب وحضارة مثلما حدث للنوبيين ، انا من قرية لا توجد الان على
السطح ، أغرقتها المياه ، اغرقت البيوت والاثار والذكريات والمقابر
والمعابد ، لم يتبق لي من حبلي السري سوى الاغاني وصور قديمة تكاد تبهت من
اللوعة ، اعتبر نفسي من الجيل الثالث في المنفى ، جيل منفي في المدن
الناطقة بالعربية ،?لا أجيد اللغة النوبية بطبيعة الحال ، لكن في قلبي تلك
الشوكة الحنونة التي تخز الفؤاد كل ليلة .
ملاعب كمبوني ؟
ليس
لدي تلك الذكريات التي قد تتصورها عن ملاعب كمبوني المطلة على شارع السيد
عبدالرحمن ، كانت مساحة مسورة تحت اشراف كلية كمبوني التي درست فيها ،
بها ملاعب لكرة القدم والسلة والطائرة وحوض للسباحة ، الا انني لعيوب
اخلاقية لم اهتم بممارسة الرياضة في تلك الفترة ، لكن علاقتي بملاعب
كمبوني تنحصر في عيد كمبوني السنوي الموافق العاشر من اكتوبر ، في ذلك
اليوم يلتئم شمل كل مدارس كمبوني بالخرطوم ، فكانت مناسبة طيبة لتبادل
الخطابات الغرامية المكتوبة بخط اليد المعطرة بالكولونيا المسروقة من
الاباء . اول مهاراتي العاطفية ا?نها بدأت هناك .
ملاعب كمبوني |
مابين النهر والبحر أين نجد قلب طلال ؟
في البحر طبعا وعلى البحر .
من هم أصدقاء طلال ؟
اصدقائي
منتشرون في العالم وفي الاجيال ، مثلا : ايهاب عبد الحميد ومحمد هاشم
وشلة ميريت من مصر ، كابو عصام وصباحي وعاصم ومجي وعزة وريم وأيمن من
السودان ، أمي وأبي وحجاج ادول ومنير من النوبة ، فيرا وكريس من المانيا
... الخ ، ده على سبيل المثال والمحبة .
أحلام وأمنيات لازالت تسكن في طلال ؟
احلم بتأسيس مدرسة سينما مستقلة ، وبحلم أعيش عيشة طيبة .
طلال عفيفي والشاعر الراحل محجوب شريف |
هولاء في كلمات :
سعاد حسني: تحفه وملكوت من البهجة
علي المك: إنسان نادر وكاتب أريب
فيروز: حاجه لا توصف
درويش: شاعر كبير بحس كلما أقراهو إنو إنكتب لي عمر جديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر هذا الحوار في صحيفة الصحافة التاريخ: 28-أكتوبر-2011 العدد:6564
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر هذا الحوار في صحيفة الصحافة التاريخ: 28-أكتوبر-2011 العدد:6564
0 comments:
إرسال تعليق