تصوير : عصام عبدالحفيظ |
تماضر مبدعة من الزمن الجميل ، أو كما قال هاني أوهاج يوماً تماضر هرم كامل التكوين ، طفلة وأديبة وممثلة ومخرجة وشاعرة ، فهي إمتداد لجيل جميل من المبدعين السودانيين ، فهي إحدى زهرات العم شيخ الدين جبريل ، تخرجت من معهد الموسيقى والمسرح ، قامت ببطولة العديد من المسرحيات والمسلسلات السودانية ، لها إسهامات شعرية وكتابات أدبية مقدرة في عدد من الصحف والمجلات، أسست مسرحاً سودانياً في المهجر للتعريف بالتراث والفلكلور والانسان السوداني ، إذ قدمت العديد من العروض المسرحية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأسبانيا والعديد من الدول الأخرى ، من محل إقامتها بأمريكا ، وعبر الفيسبوك ومع إختلاف التوقيت بين السودان وبلاد العم سام كان لنا معها هذا الحوار الذي جعلته تماضر بحنكتها مشهد درامي مثير، أبحرنا معها في عوالمها الكثيرة ، فخرجنا منها بهذه الحصيلة .
حوار : عبدالسلام الحاج
*ماذا تبقى لديك من نداوة سمسم القضارف ؟
القضارف
هي مسقط رأسي مع أني لم أعش فيها كثيرا ، كلها اجازات وطلات سريعة كده مع
الاسرة كلما سنحت السوانح ، ولكني أتذكر طينها الأسمر ورائحة الخريف فيها
، وكل الحنان الدافق من أهل الأم وحبوبتي التاية بت أبو البشر ، التي
كانت تمتعنا بقصص اهلها العركيين ، وصفاء تدينهم وكراماتهم وفكرة «الصالح
الواصل» ، هذه الاشياء لها تأثير عميق على تشكيل وجداني الصوفي ، مثل معظم
السودانيين ، وما يأتي من الأم وأم الأم يبقى حتى نخاع الروح.
* المسرح فضاء الابداع المقدس كيف عاشت تماضر تجربتها المسرحية الاولى ؟
المسرحية
الأولى حقيقة ليس لها وجود ، الواحد لقى روحو بمثل من المهد وأظن الى
اللحد «ابتسموا» ، ولكنى اذكر طعم مسرحية «زفاف مهيرة »، يشبه طعم خفقة
القلب الأولى للحب ، وأنا الآن اشاهد واتأمل هذا الحراك المسرحي الدائر
وكأنه طفل وليد يحاول الخروج من بطن أمه ، هنالك تجارب شامخة كانت في
الماضي ولكن الانتاج والتوثيق لها لم يكن بحجم عمقها الفلسفي والفني .
* تجاربك المسرحية في السودان كممثلة وكاتبة ومخرجة هل كانت بمستوى أحلامك؟
المسرحيات
التي قدمتها بالسودان كانت بمستوى أحلامي ذلك الوقت، ولكن عند النظر
اليها «من هنا» من هذا الوقت وهذا المكان، اتململ في جلستي حين أذكر ما
كان يمكن أن يتم بدلا لما تم، لا نرضى عن الأعمال التي نقدمها الا اذا نضب
المعين، وأظن «المعين» مقطوع الطاري هذا لم ينضب بعد.
* المسرح السوداني هل هناك أمل في أزدهاره مرة اخرى وسط الظروف الحالية ؟
المسرح السوداني نعم سيزدهر او كما يقول المستر الخواجة: اووووووه ياااا ، وأحلم بعمل عرض مسرحي ضخم في المسرح القومي ان شاء الله .
* يقال بأن السينما سرقت بعض الأضواء من المسرح، كيف ترين ذلك ؟
السينما
بما لها من ميزة التوثيق التسجيلي ، ومع التقدم التكنولوجي الذي يتيح
للمخرج والمنتج صنع فيلم بأقل تكاليف، صارت رائجة وكاسحة ، ولكن المسرح له
جمهوره ومحبوه الذين لا يتخلون عنه ، دعنا من فكرة «منو الأقوى دي»
ولننظر الى أهمية المسرح كفن ، فالتصوير الفوتواغرافي لم يقلل من أهمية
الفن التشكيلى ، والموسيقا الاليكترونية لم تعوض المتذوق من الاوركسترا أو
الحفلات الغنائية والكونسيرتات ، فـ «لكل فولة كيال» .
* كيف تستعيد تماضر دورها واثبات وجودها في بلد الاغتراب؟
الغربة
صارت حمى خفيفة بعد هذا التواصل الكثيف بين الناس في المهاجر والوطن ،
كانت في السابق حزنا داميا ، وحتى في زمن الحزن الدامي ذلك لم أتوقف عن
العطاء ، والآن هنالك احلام كبيرة وأفلام كتيرة ومسرحيات في سقف الحلم،
ولو مد الله في العمر ، تشوفوها بس قول يا محقق الأماني حقق الأماني، وكلو
خير في خير .
* بيت تماضر في أمريكا ؟
بيتي
في أمريكا بيت ايجار، واحة ثقافية ، مليء بالكتب والصور والآلات
الموسيقية والأجهزة الاليكترونية ، حافل بالضيوف الكرام من كل سحنات
العالم، تقام به كثير من الجلسات الفنية والأدبية ، ومطبخه سوداني أمريكي
تخرج منه أطباق
يسيل لها اللعاب، وبه أولاد نجباء و« المحبة شديدة ياهلنا» أو كما قال سيد الغناء ابراهيم عوض:أزيدك ولا كفاك؟
*الغربة وأمريكا ، ماذا أضافت لتماضر ؟
الغربة
أضافت لي الكثير، على المستوى الشخصي معرفة الذات وحدود الشخص أين تبدأ
وأين تنتهي ، وعلى المستوى الاجتماعي : التسامح الثقافي والعرقي والديني،
معرفة الناس عن كثب، على مستوى العمل: اكتساب مهارات مهنية احترام الوقت،
الوحدة وتحمل مسئوليتي كأم لسنين طويلة تجربة لا تقدر بثمن ، خصوصا عندما
ينجح من تقوم بتربيتهم وتكسب مع ذلك حبهم واحترامهم، مش ديل كفاية؟؟ لانو
القائمة طويلة بعيد عنك.
* ليكون الفنان صادقا في أدائه هل يجب أن يبحث عن أدواره في الواقع ؟
في
اعتقادي أن الفنان ينهل من ذاته ليعكس فنه، بقي عليه ـ اي الفنان ـ أن
يوسع من دوائر الذات، التجارب، فتح الطاقة للرياح الجديدة التي تهب على
التجارب من كل الاتجاهات، هنالك تجد فنانا يصلح لمعظم الأدوار باختصار كن
متفتحا ذهنيا وشعوريا ، تكن فنانا عبقريا.
*ماذا عن حلم تماضر للوطن ؟
أحلم تماما كما حلم محجوب شريف: وطن خير ديمقراطي
*هل ما زالت للتراث سلطة على المبدع ؟
التراث
والأصالة ، هما اسئلة الفن الأبدية، أنا شخصيا أحب الأصالة في الفن لانها
تحد ابداعي بدونه لا يترك الفنان بصمة لفنه، وأرى أن التراث هو واقع لا
يستطيع الفنان تجنبه، دي ما المشكلة، المشكلة أنو الوقت طال وأنا ساهرت
كتير، التراث والأصالة يطيروا ويقعوا في البير، الفاضي ليهم منو؟ عدتي ما
غسلتها، بكرة جاييني ضيوف .......«ابتسموا».
*ماذا ينقص الممثل السوداني ؟
الممثل السوداني تنقصه الكثير من القروش «لاتبتسموا»
*تماضر واشواق العوده لأحضان الوطن ؟
أحضان
الوطن!!!! أخخخخخخ يا قلبي، الوطن ده لو ما رجعت ليهو ومت فيهو ، واندفنت
في ترابو، حأكون أنا الخاسرة ، ياخي أجمل ناس في حياتنا رحلوا ، احلى
الذكريات اندثرت ، الوطن وينو حسة؟؟ في وطن في راسنا ، مرقنا وشلناه معانا
في الوجدان ، وفي وطن بهناك شغال عمار، ويمكن خراب ودمار.
* المرأة السودانية المناضلة من أجل بيتها وأولادها أين هي من اعمال تماضر ؟
كتبت
الكثير من الكتابات الابداعية التي تقع بين الشعر والقصة ، وكلها أو
معظمها تمجد المرأة ، كتبت مشهدا مسرحيا عرفه معظم من قدمت أمامهم مسرح
المرأة الواحدة، عنوانو: «عاد لمتين؟» ومستهله: «اسمي عواطف ... ساكنة
الثورة ... عندي تلاته ... وبمشي المكتب» يحكي قصة هذه المرأة التي تسألني
عنها، ومن أكون أذا لم أدافع وأمجد هذه المرأة؟؟ أكون جاحدة وأكون نساية ،
زي ما قال فنان الأغنية الحلوة ديك ياخ ، أغنية بقارية لذييييذة اسمها ،
الجمبقوية، «كان خليتكي أكون نساي» .
* الشباب السوداني بعيون تماضر ؟
الشباب
العامل وطالب وصانع وزارع زي ما بقول محمد الامين بلسان هاشم صديق في
الملحمة؟ له تحيتي وتشجيعي ودعمي، اما الشباب الخامل وصايع وضايع وزايغ،
فكلمهم وقول ليهم : أن الشباب هو أجمل أوقات العمر ، وضياعه انما هو ضياع
للعمر.
* ماذا عن كتاباتك الادبية ؟ اين يجدها القراء ؟
كتاباتي
الأدبية منشورة في مواقع سودانيز اون لاين وسودان فور أول ، وأسمع أن
فلانا اقتبس قصيدة أو قصة لعمل أغنية أو فيلم .. وأسعد لذلك ، سمعت أن
واحد نشر كتاب اسمه «كتابات لم تكتمل ولا شي زي ده»، نشر كل كتاباتي في
كتاب ، والله ما بعرف اسمه منو ولا شاورني ، هههههه ، المهم هي متوفرة في
المواقع .
* لمن تقرئين حاليا ؟
في
هذه اللحظة بالذات ، أقرأ للكاتب حسن موسى، تصدق حسن موسى الفنان
التشكيلي ده عندو كتب، لكن تقراها لمن شعرة جلدك «تكلب» ، بتعرف التعبير
ده؟؟ كتابة ورسم حاجة في قمة «الأصالة» «اهااااا شفت الأصالة جات تاني مادة
راسها كيف؟؟ » «ابتسموا» ، وبالمناسبة شكرا لمركز الأبنوس على اقامة معرض
الكتاب في الشهر الفات ، اشترينا الكتب وبنقرا، بعد سنين من «الريسايكل»
لنفس الكتب الموجوده في أيادي الأصحاب.
* ماهي الحريّة بنظرك ؟
الحرية
في نظري أنا؟؟ الحرية ، هي حق الحياة بسلام وابداع بدون أن تمس حريات
الآخرين، ده ما نظري أنا، ده نظر العارفين ، أنا منحت روحي الحرية مرة في
سنة 1997 وقررت أكون أنا ، ما أعمل الا حاجة دايرة أعملها ، أو مضطرة
أعملها عشان الناس البحبهم، اولادي وأهلي وأصدقائي والباقي ، شووووو في
البحر «ابتسموا».
* لايمكن أن نمر برحلة حياة تماضر دون ذكر الفنان الراحل الكبير محمد وردي ؟
وردي
معبر مهم لكل انسان سوداني تذوق فنه، افتقدناه كثيرا وحزنت على رحيله
كثيرا، جمعتني معه ظروف فنية ، وتقاربت بيننا المسافات ، فنه شامخ كهرم
وشخصه وديع كطفل، وردي فنان حقيقي ، الا رحمه الله وأحسن مثواه.
تصوير : أم الخير كمبال |
* ما هو جديد الفنانة تماضر في المسرح بعد عرائس النيل ؟
جديدي
في المسرح هو«الكوميديا الواقفة» بالاضافة الى تحويل قصائدي للوحات
مسرحية ...جربتها في تكساس وجربتها في نيوجيرسي ونالت اعجاب الجمهور
...مثلت مع الخواجات في أوبرا عن واحدة اسمها سيرجيرنا تروث .. دوري كان
صغيرا ولكنها تجربة ضخمة ، بالاضافة الى فيلم «فيصل هاجي غرب» أو Faisal
goes west ,فيلم أمريكي سوداني من انتاج بنتلي براون «الخواجة البتكلم
سوداني زي الطلقة» وهو فيلم يتأهب للخروج الى النور قريبا ، اتمنى أن يجد
المشاهد السوداني فرصة التحصل عليه ومشاهدته .
تصوير : أبو دومة |
* وماذا تفعلين بعيدا عن الأدب و المسرح ؟
ماذا
يفعل الانسان بعيدا عن الأدب؟؟ « ابتسموا ومافي داعي للتأويل البعيد »
أنا أم وامرأة عاملة ، أكسب رزقي ورزق ابنائي بالعمل، الغريبة أعمل في
منظمة لاستيطان اللاجئين، وهي تجربة ثرة، أفادتني في معرفتي بالناس ، فنحن
نستقبل لاجئين من كل أنحاء الدنيا ، ومعرفة الناس، احلامهم ثقافاتهم
أغانيهم موسيقاهم ، قيمهم ، أحزانهم ، هي قمة الأدب والمسرح ، يعني « سيك
سيك معلق فيك» .
* احزان محمولة من السودان ؟
موت
خالتي آمنة هزاني جدا ، وكذلك أعزي الشعب السوداني في وفيات رهط من
الأخيار : الفنانين آخرهم نادر خضر، الشعراء أخرهم حميد، القادة السياسيين
أخرهم نقد ، المذيعين ، آخرهم زينب كرم الله ،الممثلين آخرهم رابحة حماد
،والمخرجين آخرهم طارق فريجون، وجميع من رحل ولم أذكره للشعب السوداني
التعازي الحارة ولآلهم وذويهم الصبر الجميل ،جعل الله مثواهم الجنة.
* بطاقة حب لمن تهديها ؟
بطاقة
حب لشقيقتي أميمة ولأسرتي الكريمة في كل بقاع الدنيا ، ولزميلاتي في الهم
العام والمسرح، وللذين ما زالوا يذكرونني بالخير، و للوطن!
*ما الذي تريد أن تبوح به تماضر و لم يطرح عليها كسؤال؟
أبوح؟؟
أبوح عدييل كده؟؟
«ابتسمواااااا»
بصراحة استمتعت باللقاء ، وجاتني مليون ضحكة ودمعة في أثناء الردود دي ،
أفتقد مريم شيخ الدين كثيرا، شقيقتي التي رحلت مؤخرا، رحيلها قرب فكرة
الموت الى ذهني، لانها كانت نابضة بالحياة والعطاء والحب، كذلك موت «نادر
محجوب» ذلك الفتى الذي عاش غريبا ومات غريب، ألا رحمهما الله رحمة واسعة،
والألم يعتصر قلبي كلما سمعت عن الاعتقالات السياسية بعيد الاحداث الأخيرة
بالسودان، واحس بضياع خاص عندما أعرف عن معاناة الناس لاكتساب لقمة
العيش، وأرأف وأتعطف على أطفال تنشر صورهم وهم يتكئون على عظامهم ورحمة
الراحمين، كثير من الألم ونوبات الحزن تجتاحني وأنا أتابع أخبار البلد.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تم نشر الحوار في صحيفة الصحافة التاريخ: 24-أغسطس-2012 العدد:6854
تم نشر الحوار في صحيفة الصحافة التاريخ: 24-أغسطس-2012 العدد:6854
0 comments:
إرسال تعليق